حرية التعبير… حق لا مِـنّة
في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف ببلدنا، تُعد حرية التعبير كواحدة من أبرز مؤشرات احترام الدولة لحقوق الإنسان، ومعياراً حقيقياً لقياس مستوى النضج الديمقراطي في أي مجتمع.
راي
حسن سرحان
7/24/20251 دقيقة قراءة


حرية التعبير… حق لا مِـنّة
في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف ببلدنا، تُعد حرية التعبير كواحدة من أبرز مؤشرات احترام الدولة لحقوق الإنسان، ومعياراً حقيقياً لقياس مستوى النضج الديمقراطي في أي مجتمع.
فحرية التعبير ليست مكرمة تُمنح من السلطة، ولا هبة تُوزّع على المواطن بحسب مزاج الحاكم أو المسؤول ، بل هي حق أصيل وطبيعي من حقوق الإنسان، مكفول بموجب الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية، وفي طليعتها المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي نصّت على:
“لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقييد بالحدود الجغرافية.”
أما في السياق العراقي، فقد جاء الدستور العراقي صريحاً في المادة (38)، حيث نصّ على أن:
“تكفل الدولة، بما لا يخلّ بالنظام العام والآداب، أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.”
إن حرية التعبير لا تقتصر على مجرد إبداء الرأي، بل تمتد لتشمل الحق في تلقي المعلومات وتداولها ونشرها، وهي تعني قدرة الفرد على التعبير عن أفكاره ومعتقداته من دون خوف من رقابة أو عقوبة، سواء جاءت من الدولة أو من جهات غير رسمية.
وفي دولة يُفترض أنها ديمقراطية، فإن نقد المسؤول أو مساءلته عن أدائه لا يُعدّ تطاولاً ولا إساءة، بل هو حق دستوري وأحد أوجه المشاركة الفعالة في الحياة العامة. وأي محاولة لتقييد هذا الحق، أو مخاطبة المواطن بتعالٍ واستعلاء، تُعد انتهاكاً صريحاً للدستور وخرقاً لمبدأ السيادة الشعبية. ومن المؤسف أن تُصوّر ممارسة هذا الحق على أنها منّة من الحاكم أو المسؤول ، أو تُعامل وكأنها تفضّل مؤقت، بينما هي حق ثابت غير قابل للمساومة، يجب أن يُصان ويُحمى لا أن يُجتزأ أو يُخضع للتأويلات. والأخطر من ذلك، أن يُؤطّر النقد المشروع، خصوصاً عندما يُوجَّه إلى المسؤولين، على أنه سبّ أو قذف أو تشويش، في حين أنه في جوهره وسيلة لتصحيح المسار، وأداة رقابة شعبية لا غنى عنها، خاصةً في ظل تردّي الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم، حيث يضطر المواطن إلى أن يرفع صوته للمطالبة بحقوقه، لا أن يُسكت أو يُتَّهم.
لكن، كما أن حرية التعبير حق لا يجوز مصادرته، فهي أيضاً مسؤولية لا يجوز إساءة استخدامها. فلا يُقبل أن تُستغل لبثّ الكراهية أو التحريض أو التشويه أو التضليل. فالتعبير الحر يتطلب وعياً قانونياً وأخلاقياً يوازن بين حرية الفرد وحقوق الآخرين، وبين خصوصية الرأي وضرورات الصالح العام.
في الختام، تبقى حرية التعبير مرآة صادقة تعكس مدى احترام الدولة لمواطنيها، ومقياساً لمدى صدق التزامها بالديمقراطية، لا كشعار يُرفع في المحافل، بل كمنهج يُمارَس ويُحترم في الواقع.